لست عبقرياً ولكن .. !!!؟ سيرة مؤلف شيمته الصبر
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت في سن السادسة ألعب مع أقراني من الصغار بالتراب والطين أعبى بهما علية سردين فارغة وأجرها بخيط وأفرعها في مكان آخر قريب بجوار منزلنا الريفي المتواضع جدا في شارعنا في الحي الشمالي من ( ديرتي) مدينة حارم، شمالي سوريا على الحدود مع تركيا، ومر جارنا الموظف في المدرسة الابتدائية، فاستوقفه أبي رحمه الله - وكان يجلس أمام دكانته الدرويشة - وقال له: "يا أبو خليل نريد أن نسجل حسن في المدرسة"، ما أن سمعتهما حتى رميت كل شيء وتوجهت إلى البيت وأنا أبكي وفي حال يرثى له، وأقول لوالدي محتجا: "ما أريد أن أذهب إلى المدرسة، أنا ما بعرف أقرا وأكتب !!!؟". لم يخطر في بالي آنذاك على الإطلاق أي شيء من حالي الذي أنا عليه الآن بفضل الله. فقد تعلمت القراءة والكتابة وأشياء أخرى والحمد لله ؟ وأعانني الله على تأليف أكثر من 30 كتاباً وحوالي ستين بحثاً منشوراً، فسبحان مغير الأحوال !
هذا الكتاب مقتطفات من سيرة حياة مؤلف عادي من غبراء الناس ... من عامتهم. لا من خاصتهم، ولا يدعي خصوصية معينة أو تميزا من غيره من البشر أو عبقرية فذة. فقد ترعرع على حب الخوض في بحر العلم منذ الصغر عندما كان في السنة الأولى ابتدائي وحصل على الترتيب الأول في الفصل وهو لا يعلم ولم يكن يدري أنه سيفرق في هذا البحر حتى يبلغ الستين وزيادة ليلتقط بعض أنفاسه، ويكتب عن تجربة الفرق هذه بقدر كبير من التجرد أراد صاحب هذا الكتاب أن يقول لك أيها القارئ الكريم إنه ليس بأفضل منك. إذ تستطيع أنت أيضاً أن تنجر ما أنجز إذا كنت تحب البحث والتأليف وشيمتك الصبر، ومتوكلا على الله حق التوكل، ويسجل وقائع مسيرته في التأليف هذه لعلها تفيد المشتغلين بالبحث عامة، ومثله يفرد الآن قائلاً :
ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل الكتاب
غرقت في دفاته دهراً طويلاً ... فأذاقني ريحانه مراً يطيبٌ
أزهقت نفسي قاعداً أو نائماً ... في حجره عبق عجيب
شعور متناقض عجيب ذاك الذي يخلفه الوله بالبحث والتأليف، إذ يرهقك فكرياً وبدنياً. بيد أنه في ذات الوقت يذيقك لذة عجيبة لا يعرفها إلا من عاني من ويلاته.